تهذيب السيرة النبوية
- راجع الكتاب وقدَّم له: فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان - حفظه الله -.
تهذيب السيرة النبوية
تأليف الإمام
أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي
631 - 676هـ
حققه وعلق عليه
خالد بن عبدالرحمن الشايع
الأمين المساعد للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم
حققه وعلق عليه
تقديـم الكتاب
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بِهدْيِه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لم تحفل سيرة بشر منذ عهد أبينا آدم - عليه السلام - بالعناية والاهتمام، وشديد المتابعة والتحري والتدقيق والتدوين - كما لقيته سيرة رسول الله، محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - ولا غرو في ذلك؛ فهو سيد البشر أجمعين، وأفضل الخلق.
وقد تتابع علماء المسلمين جيلاً من بعد جيل، على العناية بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، وتقديمها للأُمَّة واضحةً جليَّة، وقد تعدَّدت أساليبهم وطرقهم في تناول سيرته - صلى الله عليه وسلم - بين التوسع والإسهاب، وبين الإيجاز والاختصار.
وبين يديك - أخي المسلم - تحفة نفيسة من ذخائر السلف، جادت بها يراع الإمام يحيى بن شرف النووي - رحمه الله - حيث كتب ترجمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَمعتْ بين الإيجاز والشمول لشمائله وسيرته - صلى الله عليه وسلم - حيث انتخب من سيرته - صلى الله عليه وسلم - ما يعتبر بحق مدخلاً لدراسة السيرة النبوية؛ بحيث تكون للدارس وطالب العلم قاعدة معرفية، يطلع من خلالها على مجمل حياته - صلى الله عليه وسلم - لينطلِقَ منها إلى الإحاطة بأطراف هذا العلم؛ علم السيرة، ومما يهيئ هذا الكتاب لهذه المكانة المهمة عدة أمور؛ منها:
1 - تميزه بالاختصار والشمول المجمل؛ حيث حوى بين طياته نبذًا من شمائله وسيرته - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يَنبغِي للمسلم الاطِّلاع عليه، أو لا يَسَعُه الجَهْلُ به.
2 - أسلوبه المبسَّط الرصين في عرضه لحياته - صلى الله عليه وسلم - وسيرته.
3 - أنَّ مؤلِّفه إمام محقِّق، ذو باع واسع في خدمة السنة النبوية والعناية بها، وذلك بشهادة العلماء له بذلك، مِمَّا جعل أقواله وتصويباته وترجيحاته محل عناية واعتبار عند العلماء.
هذه بعض مميزات هذا البحث النفيس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - فجدير بطالب العلم المبتدئ، ومحب معرفة حياته - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل هذا البحث مدخلاً وتأصيلاً لعلمه في جانب سيرته - صلى الله عليه وسلم - كما أن هذا البحث تذكرة للعالم ومدارسة له، تدقق علمه وتوجهه.
وهذا الكتاب جاء ضمن ما كَتَبَهُ النووي - رحمه الله - في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات"، فجعله مقدمةً له؛ تشريفًا للكتاب بسيرته وذكره - صلى الله عليه وسلم - وقد طُبِعَ "تهذيب الأسماء واللغات" في إدارة الطباعة المُنيريَّة بمصر، وفيه الكثير من الأخطاء والتحريفات المطبعيَّة، ثم قامت دار السلام العالمية بمصر بإفراد هذه السيرة العطرة في كتاب مستقل، ولكنه وإن قلَّت أخطاؤه وتحريفاتُه المطبعيَّة عن أصله؛ إلا أنَّه لم يسلم من كثير منها.
ومن هنا فقد حرصت على نشره مصحَّحًا مدقَّقًا - على قلَّة البضاعة - ومن الله أستمدُّ العون والهداية، فقمت بتوثيق نصوص الكتاب، وتدعيم اختيارات المؤلف بالأدلَّة الصحيحة، وإن وجدتُ قولاً مرجوحًا نبَّه عليه العلماء؛ فإني أشير لذلك، وقمت أيضًا بتدقيق أسماء الأعلام ونحوها، وخرَّجْتُ الأحاديث القوليَّة الواردة في الكتاب في غالب الأحيان على وجه الاختصار وعدم الاستقصاء، والاقتصار على الكتب الستَّة في الغالب؛ خشية الإطالة.
وقد عمدت إلى الإيجاز والاختصار فيما أنقله في الهوامش، من غير إشارة للأخطاء المطبعية السابقة، وإثبات الصحيح في المتن اعتمادًا على دواوين العلم الأخرى المختلفة، واكتفيتُ بما يهم القارئ من شرح مشكل، أو إيراد دليل، أو عرض لمسألة مهمة.. ونحو ذلك، من أجل المحافظة على مقصود المؤلف من الإيجاز والاختصار.
هذا،، وأستغفر الله من الخطأ والزلل الذي كلٌّ واقع فيه إلا من عصم الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على خير الأولين والآخرين، وعلى سائر النبيين وآل كلٍّ، وسائر الصالحين، وحسبي الله ونعم الوكيل.