حكم التحدث باللغة الإنجليزية دون الحاجة لذلك

فتاوى البطاقة التعريفية
العنوان: حكم التحدث باللغة الإنجليزية دون الحاجة لذلك
اللغة: عربي
نبذة مختصرة: سؤال أجاب عنه القسم العلمي بموقع الإسلام سؤال وجواب، ونصه: «ما حكم التحدث باللغة الإنجليزية دون الحاجة لذلك؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه».
تأريخ الإضافة: 2008-08-02
الرابط المختصر: http://IslamHouse.com/169288
:: هذا العنوان مصنف موضوعياً ضمن التصانيف الآتية ::
نبذة موسعة

السؤال:

ماحكم التحدث باللغة ( الانجليزية ) دون الحاجة لذلك؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه.

الجواب:

الحمد لِلَّه

أولا: يقرر علماء اللسانيات والأصوات أن اللغات في العالم بلغت ما يقرب من ثلاثة آلاف لغة، وأنها تختلف في مستوياتها، فمنها اللغة الراقية والمتصرفة والثرية ومنها دون ذلك.

واللغة العربية تتربع في قمة هرم اللغات، لما لها من خصائص ذاتية في حروفها وكلماتها التي تقوم على أصول ثلاثية في الغالب، وتناوبِ الصيغ في أداء المعنى، وتقارُبِ معاني ألفاظها مع الأصوات، وكذلك للخصائص التي تحملها معاني التراكيب اللغوية، فيما يسمى بـ " علم البلاغة ".

ولذلك كانت اللغة العربية لغة كتاب الله الخالد، القرآن الكريم، وقد اختارها الله سبحانه لتكون اللسان الذي أنزل به كتابه، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء /192-195

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي" انتهى. الرسالة (34)

وقد شهد أهل العلم باللغات بأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات.

يقول ابن جني في "الخصائص" (1/243) : " إنا نسأل علماء العربية، ممن أصله أعجمي، وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين، فلا يجمع بينهما، بل لا يكاد يَقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه، وتقدُّمِ لطف العربية في رأيه وحسه، سألت غير مرة أبا علي ( يعني الفارسي إمام اللغة المعروف ) عن ذلك ، فكان جوابه عنه نحو ما حكيته " انتهى.

ويقول ابن سنان الخفاجي في "سر الفصاحة" (45):" لا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها " انتهى . ثم توسع في شرح ذلك.

وانظر كتاب "البلاغة المفترى عليها" لفضل حسن عباس (19-78).

ثانيا : ومن عرف للغة العربية فضلها وأهميتها أدرك ما ينبغي عليه من شديد العناية بها، خاصة وأن الصلاة وهي أهم عبادات المسلم لا تصح إلا بتلاوة كتاب الله العربي، لذلك كان المسلمون في شرق الأرض وغربها يتعلمون العربية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، حفاظا على وحي الله تعالى الذي أنزله بهذه اللغة، فإنَّ حفظَ القوالب حفظٌ للمعاني.

اللهم إلا أننا أصبحنا نجد في عصرنا هذا من يزهد في لغة القرآن، فينسبها تارة للعجز، وأخرى للصعوبة، لم يغادر شبهة أو تهمة إلا وحاول إلصاقها بها، ولكن الله سبحانه وتعالى قيض له من يبين فساد مقالته، وبطلان دعواه.

كما أننا نجد في زماننا من يزهد بلغته العربية، تبعية للغرب الذي سلب لُبَّه بمدنيته الزائفة، وحضارتِه الموهومة، فأصبح يستبدل العبارات العربية بالكلمات ( الانجليزية ) تارة ، أو بـ ( الفرنسية ) تارة أخرى، حتى انحرف لسانه عن لغته الأصيلة، وانحرفت أخلاقه وأطباعه تبعا لذلك.

فلهؤلاء وأولئك أنقل لهم كلمة ضافية لشيخ الإسلام ابن تيمية، أوفى فيها على المقصود، وجمع فيها من المنقول والمعقول في هذا الموضوع، فقال - رحمه الله - تعالى في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208): " اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء، أو أكثرهم، يكرهون في الأدعية التي في الصلاة والذكر، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية.. وأما الخطاب بها ( يعني الأعجمية ) من غير حاجة في أسماء الناس والشهور ، كالتواريخ ونحو ذلك ، منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب.

وأما مع العلم به، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا، فإنه كره "آذرماه" ونحوه ، ومعناه: ليس محرما، وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال: لسان سوء. وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر - رضي الله عنه - الذي فيه النهي عن رطانتهم، وعن شهود أعيادهم.

وهذا قول مالك أيضا، فإنه قال: لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها، ولا يحلف بها. وقال: نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال: " إنها خِبَّ " ( المكر والغش ، المدونة 1/62-63) ، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا.

وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول :" لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله - عز وجل - لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية "

فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين.

روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال: قال عمر : ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ ( صار خَدَّاعًا )، ولا خَبَّ رجل إلا نقصت مروءته.

وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال : لا تعلموا رطانة الأعاجم ، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم ، فإن السخط ينزل عليهم .

وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر - رضي الله عنه - . ( انظر مصنف عبد الرزاق 1/411)

وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنيفية .

ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية:

قال أبو خلدة: كلمني أبو العالية بالفارسية.

وقال منذر الثوري : سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن ، فقال : يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزا ، فاشترت به نبيزا ، ثم جاءت به، يعني الجبن .

وفي الجملة : فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب ، وأكثر ما كانوا يفعلون إما لكون المخاطب أعجميا ، أو قد اعتاد العجمية ، يريدون تقريب الأفهام عليه ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي - صلى الله عليه وسلم - خميصة وقال : ( يا أم خالد هذا سنا ) والسنا : بلغة الحبشة الحسن . البخاري (5845)

ورُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال لمن أوجعه بطنه : أشكم بدرد .

وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن ، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ، ولأهل الدار ، وللرجل مع صاحبه ، ولأهل السوق ، أو للأمراء ، أو لأهل الديوان ، أو لأهل الفقه ، فلا ريب أن هذا مكروه ، فإنه من التشبه بالأعاجم ، وهو مكروه ، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية ، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية ، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية ، عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم ، وهكذا كانت خراسان قديما .

ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه .

وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنه يصعب عليه.

 واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.

وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية.

وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال : " كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي ".

وفي حديث آخر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: " تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم " وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى.

- وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم 3/سؤال رقم 12):

" السؤال: نجد أن بعض الناس ربما يتخاطب مع غيره من الشباب وغيرهم باللغة الإنجليزية أو ببعض مفرداتها، هل يفرق هذا بين من كان في مجال عمل، كما أننا نحن مثلاً في المستشفى نتخاطب مع زملائنا باللغة الإنجليزية غالباً، ولو كان الأمر لا يحتاج للكلام، ولكننا تعودنا ذلك بمقتضى مخالطتنا لهم، فهل في هذا بأس، وإذا تكلم الإنسان بكلمة من غير العربية فهل يأثم بذلك؟

الجواب:

الكلام باللغة غير العربية أحياناً لا بأس به، فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لطفلة صغيرة جارية قدمت من الحبشة فرآها وعليها ثوب جميل، فقال : ( هذا سنا ، هذا سنا ) أي : هذا حسن، كلمها باللغة الحبشية؛ لأنها جاءت قريبة من الحبشة، فخطاب من لا يعرف العربية أحياناً باللغة التي يفهمها هو لا بأس به، وليس فيه إشكال، لكن كوننا يأتينا هؤلاء القوم لا يعلمون اللغة العربية، ثم نتعجم نحن قبل أن يتعربوا هم، مثل أن تجد بعض الناس إذا خاطب إنساناً غير عربي بدل ما يقول: لا أعرف، يقول: " ما في معلوم ". لماذا يقول: " ما في معلوم "؟ لأجل أن يعرف ما يقول له، والصحيح أن يقول له: لا أعرف، حتى يعرف هو اللغة الصحيحة، لكن مع الأسف الآن نخشى على أنفسنا أن نكون أعاجم" انتهى.

ويقول الشيخ ابن عثيمين أيضا - رحمه الله - "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 142/سؤال رقم 3):

" الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك - مع الأسف الشديد - الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول : " باي باي " ..؟!! ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني : في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي : ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يُهْجَر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية!! كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية ..." انتهى.

ويقول أيضا - رحمه الله - "لقاء الباب المفتوح" ( لقاء رقم/186/ سؤال رقم/15) :

" إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ( لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة )؛ لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر - رضي الله عنه - من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية " انتهى.

وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/432-433).

والله أعلم .

موضوعات متعلقة ( 2 )
Go to the Top